وقد عقد المؤلف - رحمه الله - باباً فيما جاء في الكهان ونحوهم من العرافين والرمالين ومن يشابههم في دعوى علم الغيب، فالكاهن هو الذي له صاحب من الجن يخبره عن بعض المغيبات، والعراف هو الذي يستدل على المسروق ومكان الضالة عن طريق ادعاء علم الغيب، والرمال هو الذي يخط في الرمل يدعي بذلك علم الغيب فهؤلاء وأمثالهم لا يسألون ولا يصدقون ومجرد السؤال لا يجوز لأنه وسيلة للتصديق ولأن في سؤالهم والذهاب إليهم تعظيماً لشأنهم.
ولهذا لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان قال: (ليسوا بشيء) وفي هذا احتقار لهم وإعراض عنهم والكاهن قد يصيب أحياناً إما تخرصاً وظناً.. وإما عن طريق الشياطين الذين يسترقون السمع فيصدق في كلمة واحدة سمعها ويزيد معها ما لا يحصى من الكذب والكاهن إذا كان يدعي علم الغيب يُستتاب فإن تاب وإلا قتل كالساحر وأما من كان لا يدعي علم الغيب فيعزر بما يردعه وأما الذي يستدل على المسروق ومكان الضالة بطرق حسية معروفة كالآثار ونحوه فلا بأس بذلك ولا يدخل في مسمى العراف، وقد جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من الذهاب إلى الكهان والعرافين وسؤالهم وتصديقهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) أخرجه الأربعة. ففي هذا الحديث دلالة على أن من صدق الكاهن أو العراف بدعوى علم الغيب كفر كفراً أكبر لأن الغيب استأثر الله بعلمه: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ومن صدق الكاهن أو العراف بدعوى علم الغيب فقد كذب بهذه الآية، وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) أخرجه مسلم، وهذا الحديث يدل على أن مجرد السؤال للكهان ونحوهم لا يجوز لأنه وسيلة للتصديق ومعنى لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أي لا ثواب له فيها مع سقوط الفرض عنه ولا تلزمه الإعادة.
كيفية الوقاية؟
ويقول الشيخ ناصر بن مبارك البدراني المعلم بمدارس الشهداء بحي النسيم بالرياض، يكثر في هذا الزمن الإصابة بالسحر والعين والأمراض النفسية، وغيرها من الآفات، وذلك بسبب انتشار الذنوب والمعاصي، مع الغفلة عن ذكر الله، وعدم التحصن، وإذا تأملنا الكتاب والسنة نجد فيهما كثيراً من التحصينات التي تحفظ الإنسان، وتقيه الشرور، وتقي أهله وأولاده - بإذن الله -.. وهناك بعض التحصينات من هذه الشرور هي:
* الحصن الأول: قراءة سورة البقرة، والمحافظة والمداومة على ذلك، وبخاصة في البيت، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان، وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند رسول الله فسمعته يقول: (تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة).
* الحصن الثاني: آية الكرسي: وهي أفضل آية في كتاب الله، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على قراءتها أدبار الصلوات وفي الصباح والمساء، وعند النوم، من قرأها في ليلة لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان.
* الحصن الثالث: قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، من قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، إلى آخر السورة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه).
* الحصن الرابع: قراءة المعوذتين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}(1) سورة الفلق {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}(1) سورة الناس.. قال فيهما صلى الله عليه وسلم (ما تعوذ المتعوذون بمثلهما).. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهما بعد الصلوات ويكررها ثلاثاً بعد صلاتي الفجر والمغرب مع سورة الإخلاص، ويجمع كفيه عند النوم وينفث فيهما ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(1)سورة الإخلاص, والمعوذتين، ويمسح بهما وجهه ورأسه، وما استطاع من جسده، ويكررها ثلاثاً.
* الحصن الخامس: أذكار الصباح والمساء والنوم، يراجع المسلم كتاب (حصن المسلم) صفحة 54 إلى صفحة 78، هذه الأذكار - بإذن الله - تحفظ الإنسان في صباحه ومسائه وعند نومه.
* الحصن السادس: دعاء دخول المسجد والخروج منه، ودعاء دخول البيت والخروج منه، ودعاء دخول الخلاء والخروج منه.
* الحصن السابع: أدعية وأذكار متنوعة فيها حفظ للإنسان من الشياطين منها: قول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، وما كان يعوذ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين - رضي الله عنهما - يقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)، وقول: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات في الصباح والمساء.
* الحصن الثامن: الاستعاذة بالله من الشيطان، وبخاصة عند الغضب، والمحافظة على الوضوء، فالوضوء سلاح المؤمن.
* الحصن التاسع: التصبُّح بسبع تمرات من تمر عجوة المدينة، قال صلى الله عليه وسلم: (من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)، وفي رواية: (من أكل سبع تمرات عجوة ما بين لابتي المدينة حين يصبح لم يضره يومه ذلك شيء حتى يمسي).
* الحصن العاشر: التسليم على الأهل، وتطهير البيت من صوت إبليس (المزامير) تطهير البيت من التصاوير والتماثيل والكلاب، والإكثار من تلاوة القرآن، وذكر الله، وأداء صلاة النوافل في البيت.