النـظـرة إلـى الـتـاريـخ
بسم الله الرحمـن الرحيم
موضوع حصري وبقلمي
هدية إلى إخواني وأخواتي أعضاء وزوار
منتدى التاريخ العالمي ولإسلامي
1 ـ مرت الكلمة [ تاريخ ] من حيث دلالتها في اللغات الأوربية بتطورات كثيرة.
حيث (( عنت الكلمة اليونانية المقابلة لـ [ Historia ] )).
في البدء، كل معرفة مكتسبة بواسطة البحث والتحري.
ثم اكتسبت بين المؤرخين اليونانيين معنى نتائج التاريخ، وانتقلت بهذا المعنى فيما بعد إلى اللاتينية واللغات المشتقة عنها.
ونجد أن لفظة [ HISTORIA ] قد عنت في القرن السابع عشر مجموعة من المعطيات التاريخية.
وشاع استعمالها بهذا المعنى في القرن الثامن عشر.
وأما في القرن التاسع عشر، فقد رجح المؤرخون والفلاسفة الألمان استعمال لفظة [ Geschichte ] الألمانية محل [ Historia ].
لتدل على الواقع الإنسانية وتطورها، والفارق، إذن، بين اللفظتين هو أن التشديد في اللفظة الألمانية يقع على الحادث بالذات، وفي اللفظة اللاتينية يقع على الجهد من أجل استعادة الحادث، أي التاريخ.
2 ـ وفي العصر الحديث تستعمل الكلمة بدلالتين تعبر في الأولى منها على (( أحداث الماضي بصورة عامة، وفي الثانية تستعمل لتعبر عن تسجيل هذه الأحداث، أو بكلمة أخرى، العمل الذي يقوم به المؤرخ )).
3 ـ على أن التفريق بين الدلالتين مازال يشكل لبسا في اللغات الأوربية الحية.
ف [ Historia ] الفرنسية و [Historia ] الإنكليزية و [ Geschichte ] الألمانية، تستعمل للمعنيين على السواء، إذ يراد بكل منهما أحيانا حوادث الماضي وأحيانا أخرى أخبار هذه الحوادث أو العلم الذي يحققها.
4 ـ ويصدق هذا الأمر ـ كما يقول [ مارو ] ـ على سائر لغات الثقافة الأوربية.
كالإسبانية ـ والإيطالية ـ والهولندية ـ والروسية، حيث نعثر أيضا على نفس الازدواج في المعنى.
5 ـ وقد قام بعض الباحثين الغربيين بمحاولات شتى للتمييز بين الدلالتين، فلقد ميز [ كروتشه ] الإيطالي بين الكلمتين [ تاريخ ] و [ فن كتابة التاريخ ]، فأطلق على الأولى لفظة [Storia ] وعلى الثانية [ Storiagrafia ].
وفي الفرنسية اقترح [ هنري كوبان ] استعمال الكلمة [ Historia ] بـ [ H ] كبرى للتدليل على الماضي و [ h ] صغرى للمعنى الثاني.
6 ـ وفي الألمانية اضطر [ هيجل ] إلى أن يعود إلى اللاتينية ليميز بين [ Degestae ] و [ Historia rerum gestarum ].
ولكن العادة الجارية ظلت غالبة, ولا يزال هذا اللبس قائما, ولعله ناشئ عن شعور أصيل في الإنسان بالارتباط الدقيق بين معرفة الماضي والماضي ذاته.
7 ـ ونحن نجد أن التفريق بين اللفظتين (( تاريخ )) ـ بالألف اللينة ـ و (( تاريخ )) ـ بالهمز ـ يأخذ بعدا فلسفيا لدى [ يسبرز ] الألماني, ومن قبله [ هيدجر ], حيث يفرق [ يسبرز ] بين الشعور التاريخي, وبين الشعور التاريخي, فالتاريخ هو العلم بحوادث الماضي خلال التسلسل الزمني للعالم, أما التاريخ فهو شعور الذات بما حققته في مظاهر نشاطها المختلفة, والشعور التاريخي هو النور الذي يوضح تاريخية الآنية, ويبدى في كل حالة اضطر فيها أن أدرك العلو, أي أن أدرك أنني من خلال المواقف التي اوجد فيها أحاول الخروج عنها والعلو عليها ابتغاء تحقيق إمكانيات جديدة.
8 ـ أما في اللغة العربية فنجد [ السخاوي ] يشير إلى الاختلاف في أصل الكلمة (( تاريخ )) وهل هي عربية أصيلة, أم دخيلة على العربية ...
فيذكر قول [ الجوهري ] : التاريخ تعرفه الوقت والتوريخ مثله يقال : أرخت وورخت ..
وقد فرق [ الاصمعي ] بين اللغتين فقال : [ بنو تميم يقولون ورخت الكتاب توريخا ] و [ قيس تقول أرخته تاريخا ].
وهذا يؤيد كونه عربيا, وقيل أنه ليس بعربي محض, بل هو معرب مأخوذ من [ ماه روز ] بالفارسية : [ ما ] تعني القمر ـ و [ روز ] اليوم ...
قال [ أبو منصور الجواليقي ] في كتابه [ المعرب من الكلام الاعجمي ] : يقال أن التاريخ الذي تؤرخه الناس ليس بعربي محض وانما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب.
9 ـ وقد حاول المستشرق [ فرانز روزنثال ] تتبع أصل الكلمة في العربية ورجح أنها مستمدة من الكلمة السامية التي تعني القمر أو الشهر, وهي في الأكدية [ أرخو ] وفي العبرية [ برخ ].
ويمكن الافتراض أن هذه الكلمة مشتقة من القمر أو الشهر وبذلك تكون الترجمة الحرفية لكلمة (( تاريخ )) هي التوقيت حسب القمر, وفي اليونانية نجد الكلمة (( أرخى ـ Arché )) بمعنى بداية أو حكم, (( أرخايوس ـ Archaious )) بمعنى قديم.
10 ـ ولعل هناك علاقة ما بين هذه الكلمات والكلمة العربية, وفي الكلدانية نجد الكلمة (( أركونا )) بمعنى حاكم أو رئيس.