حري بشعوب الأمة أن يصمتوا كثيراً وتتحدثون أنتم طويلاً يا أهل غزة ، فأنتم من أهل الصمود المرابطين على الثغور، الذين لا يدافعون عن أي أرض، بل الأرض المقدسة في فلسطين، لذلك نوجه حديثنا إليكم أهلنا وأحبتنا، في غزة الباسلة الصامدة في وجه العدوان والغطرسة والصلف الإسرائيلي.
رسالتنا لكم أولاً بالا تحزنوا وقد خذلكم الجميع عرباً وعجماً، وتكالبت عليكم الأمم شرقاً وغرباً، ووضع العربي يده في يد الغربي متآمراً محاصراً بني جلدته وعروبته..حقاً إنه لشئ محزن يدمع العين ويدمي القلب..ولكن سلواكم أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الميامين تعرضوا لمثل ما تعرضتم له، وابتلوا بمثل ما ابتليتم به...
فهذا أبو بكر رضي الله عنه، حين كان العدو، من بني العروبة والأهل، من قريش، يتعقبه والنبي الكريم عند الغار إذا به يخشى على رسالته ودعوته في وقت قل فيه المعين والناصر..ولكن الرسول يعزيه بما حكاه رب العزة جل وعلا" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة:40)
وانتم أيها المرابطون في ثغر غزة المبارك وقت أن خذلكم الناس فلم ينصروكم إلا قليلاً، وأصروا على أن تخرجوا من حال الرباط والجهاد إلى الدعة والراحة ومائدة المفاوضات حيث تقرع الكؤوس وتعزف القناني لا تحزنوا فالله معكم وسيكنته تغشاكم وكلمتكم ورايتكم دوما ستكون هي العليا وكلمة شانئيكم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم هي السفلى.
ورسالتنا إليكم بألا يفت في عضدكم خذلان المتخاذلين وفرار المرتعشين فأولئك المرجفون في المدينة والقطاع الآكلون على موائد الغرب المقتاتون من فتاته الذي يرون في جهادكم وصبركم ورجولتكم الفذة الباسلة عبثية لا تجدي غرقوا في بحر الأماني الباطلة والوعود الزائفة وتلاعب بهم الاحتلال الإسرائيلي وأتباعه كما يتلاعب الغلمان بالكرة.
هذه وصية رب البرية لكل مؤمن حاله مثل حالكم :"فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" (محمد:35)، فانتم الأعلون بعقيدتكم الحية الباعثة على الكفاح ضد الاحتلال حتى تحرير الأرض ونيل السيادة والكرامة.. وانتم الأعلون بتمسككم بنهج المقاومة الباسلة دون تلك التعرجات والالتفاتات والوقوع في شراك المفوضات العابثة المضيعة لحقوق الأمة..وانتم الأعلون بصبركم وثباتكم ورباطكم في زمن كثر فيه المخلفون من الأعراب وأشياعهم القائلون بلسان الحال والمقال ذرونا نكن مع القاعدين ونتخاذل مع المتخاذلين فلا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، وهو خير لكم لو تعلمون أن ثبطهم الله عنكم وعن صفكم المبارك الطاهر، قال تعالي :" وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ" (التوبة:45، 46)
فلا تحسبوا ذلك الفرار شراً لكم، بل هو خير لكم عند ربكم وأزكى لكم عند ملكيكم، واقوي لعزيمتكم وشوكتكم في مواجهة عدوكم.
ورسالتنا لأهل غزة الباسلة أن صواريخكم على عدوكم هي نار تلظى، رغم تواضعها .. أرقت مضاجعه..وأسالت منه الدماء..وبثت في قلبه الرعب والوهن..فصاروا كالجرذان الخائفة عبثا يحاولون الفرار من مرمى سلاحكم.. فلا تلتفوا للأكاذيب والترهات من حولكم..فقد مس القوم من الضر النفسي والمادي والمعنوي ما الله به عليم.
وهذه وصية رب العزة في علاه هذه فاسمعوها وانتم أهل الاتعاظ والعبرة :"وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ"(النساء:104)
فإن كانت فيكم الجراح والآلام فانتم في سبيل الله تمضون في قافلة مباركة طيبة تقدمها الأنبياء والمرسلون والصحابة المكرمون..وان كانت فيهم الجراح والآلام ففي سخط من الرب يمضون وفى نار وعذابه بإذن من القهار مخلدون...وشتان شتان بين موت في سبيل الرحمن وهلاك في رضا الشيطان.
ورسالتنا لأهل غزة أن هنيئا لكم حياة شهداءكم في حواصل طير خضر بعرش الرحمن معلقة ..هنيئا لكم اصطفاء الله عز وجل لكم ليكون منكم الشهداء الأبرار الخلص فـ " إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ"(أل عمران:140)..لكم يغبطك فئام من الناس تهافتت قلوبهم على ذلك الحظ الوفير والمنزلة الرفيعة العالية مع النبيين والصديقين..هنيئا لكم بشرى الله لكم "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"(أل عمران:169)..هذه شهادة سجلها صاحب الظلال، رحمه الله، وهو يجود بنفسه عن معنى الشهيد، ذلك الذي شهد دمه أن دين الله اغلي عليه من حياته..ونحن نشهد على شهادته أن دينكم أغلى عندكم من حياتكم ..ففي شهادة بعضكم حياة لكم ..وفيها حياة لامتكم.
رسالتنا أن هنيئا لكم وانتم القلة المستضعفة في الأرض قد لا تجدون كسرة الخبز ..قد لا تجدون شربة الماء...قد تفقدون الأمن الدنيوي حينا..ولكنكم وانتم على هذا الحال تعلمون العالم بأسره معنى الحياة التي لا تكون إلا بعزة وشرف وكرامة في الدنيا أو اختيار الآخرة فهي خير وأبقى.. هنيئا لكم أن علمتم جموع الأمة انه لا حياة وفقط ولا حرص على الحياة بل حرص على الموت يدفعكم لسد الثغور بصدوركم وقلوبكم فتوهب الله لكم الحياة الكريمة ويظل عدوكم في صغار يبحث وفقط عن حياة كالدواب والأنعام " وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ"(البقرة:96)
رسالتنا للأهل في غزة أن فضوا أيديكم من العباد واتجهوا لرب العباد ..وان كان أهل الأرض قد وجدتم منهم الخذلان فان من في السماء وعدكم بالنصر والتمكين وشرط عليكم شروطاً انتم لها أهل ولها بإذن الله موفون :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"(محمد:7)..فحققوا الإيمان في قلوبكم تجدوا العون والمدد في جهادكم..واجعلوا غايتكم نصر الله عز وجل ينصركم الله على عدوكم ويثبت في ميدان المعركة أرجلكم.
ثم هو في الأخير اعتذار خجول لكم فما بوسعنا إلا أن ندعمكم بكلمتنا..ونشد على أيديكم وجهادكم بقلمنا.. وما بمقدورنا إلا أن نرفع في سحر الليل الأكف ضارعة لرب شاهد على ما في قلوبنا أن ينصركم بممده وجنوده ويربط على قلوبكم..وان يجعل الدائرة لكم، " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ"(الروم:5،4).