الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل وصحبه وسلم. وبعد:
فأن أعظم الأصول المهمة في دين الإسلام هو تحقيق الإخلاص لله تعالى في كل العبادات، والابتعاد والحذر عن كل ما يضاد الإخلاص وينافيه، كالرياء والسمعة والعجب ونحو ذلك. ورحم الله احد العلماء إذ يقول: "وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلّا، فانه ما أُتىَ على كثير من الناس إلا من تضيع ذلك". أ.هـ
أهمية أعمال القلوب:
إنّ تعريف الإيمان عند أهل السنة هو:
(إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان).
ويُعَدُّ الإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان، وأعظمها قدراً وشأناً، بل إن أعمال القلوب عموماً آكد وأهم من أعمال الجوارح، ويكفي أنّ العمل القلبي هو الفرق بين الإيمان والكفر، فالساجد لله والساجد للصنم كلاهما قام بالعمل نفسه، لكن القصد يختلف، وبناء عليه آمن هذا وكفر هذا.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في بيان أهمية أعمال القلوب: "وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين، مثل محبته لله ورسوله، والتوكل على الله، وإخلاص الدين لله، والشكر له والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك". أ.هـ
فأقول: "هذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق باتفاق أئمة الدين، والناس فيها على ثلاث درجات: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات.
فالظالم لنفسه: العاصي بترك مأمور أو فعل محظور.
والمقتصد: المؤدي للواجبات، والتارك للمحرمات.
والسابق بالخيرات: المتقرّب بما يقدر عليه من فعل واجب ومستحب، والتارك للمحرم والمكروه.
وإن كان كل من المقتصد والسابق قد يكون له ذنوب تُمحى عنه؛ إما بتوبة والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإما بحسنات ماحيه، وإما بمصائب مكفرة، وإما بغير ذلك". أ.هـ (1).
ويقول ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح". أ.هـ (2) وقال شيخ الإسلام: "والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسّط عمل القلب، فإن القلب ملكٌ، والأعضاء جنوده، فإذا خبث خبثت جنوده، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ في الجسد مضغة... الحديث". أ.هـ (3)
تعريف الإخلاص:
قال العز بن عبد السلام : "الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي". أ.هـ(4).
قال سهل بن عبد الله: "الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة". أ.هـ
وقيل: "هو تفريغ القلب لله" أي: صرف الانشغال عمّا سواه، وهذا كمال الإخلاص لله تعالى (5).
وقيل: "الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين".
ويقول الهروي: "الإخلاص تصفية العمل من كل شوب".
ويقول بعضهم: "المخلص هو: الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله".
سئل التستري: "أي شيء أشد على النفس؟! قال: "الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب".
ويقول سفيان الثوري: "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي؛ إنها تتقلبُ عليّ". (6) ومدار الإخلاص في كتاب اللغة على الصفاء والتميز عن الأشواب التي تخالط الشيء يقال: هذا الشيء خالص لك: أي لا يشاركك فيه غيرك والخالص من الألوان عندهم ما صفا ونصع. ويقولون خالصة في العشرة: صافاه (7).