الكتاب الثاني - أسباب الإرث وأنواعه
المواد: (295 – 310):
قد نصت المادة (295) على أن أسشباب الإرث الزوجية، والقرابة، وقد عبر بلفظ من أسباب الإرث، للإشارة إلى أن أسباب الإرث لا تنحصر في الزوجية والقرابة، إذ أن للإرث شرعًا سببًا آخر هو العصوبة السببية (ولاء العتاقة)، ولم يذكر ضمن أسباب الإرث في المادة، لأن الرقيق لا وجود له الآن، وقد ألغي الرق، ومنع بمعاهدات دولية، وممن وقع عليها دولة الكويت.
الباب الأول: الإرث بالفرض - إرث الزوجين:
نصيب الزوجين في الميراث نص عليه في قوله تعالى في سورة النساء: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد، فلكم الربع مما تركن، من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم، فالزوج يأخذ نصف تركة زوجته المتوفاة إن لم يكن لها ولد ذكر أو أنثى، فإن كان لها ولد استحق الربع فقط.
والزوجة تأخذ الربع إن لم يكن لزوجها المتوفى ولد، فإن كان له ولد استحقت الثمن، وتنفرد الواحدة بالربع أو الثمن، ويشترك فيه الأكثر من واحدة، الاثنتان، والثلاث، والأربع.
والولد هو من ينتسب إلى المتوفى ذكرًا كان أم أنثى، وهم أولاده الصليبيون المباشرون ذكورًا كانوا أم إناثًا، وفروع أبنائه، أما فروع بناته فلا ينتسبون إليه، ولذلك قال الفقهاء: إن الذي ينقل نصيب الزوج من النصف إلى الربع، ونصيب الزوجة من الربع إلى الثمن هو الفرع الوارث، ويقصدون به صاحب الفرض، أو العصبة، أما إن كان من ذوي الأرحام فلا ينقل.
ويشترط في الفرع الوارث الذي يؤثر ذلك التأثير ألا يقوم به مانع من موانع الإرث، فإن كان للزوجة مثلاً ابن غير مسلم، أو كان هو الذي قتلها، فإنه يعتبر كالمعدوم، وكأنه ليس هناك فرع مطلقًا، وكذلك الشأن في كل ذي فرض يؤثر في نصيبه الفرع، فإنه يشترط ألا تتوسط بينه وبين الموت أنثى، وألا يقوم به مانع من موانع الإرث.
ويشترط في ميراث الزوجين أن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة حقيقةً أو حكمًا، بان يكون المتوفى زوجًا عند الوفاة، أو تكون الزوجة معتدة من طلاق رجعي، أو يكون الشارع قد اعتبر المتوفى فارًا من الميراث، وكانت العدة قائمة، ونتيجة ذلك أنه يشترط في الميراث بالزوجية شرطان:
1- أن تكون الزوجية صحيحة.
2- أن تكون قائمة وقت الوفاة حقيقةً أو حكمًا، فإن كان الطلاق بائنًا، فإنه لا توارث، ولو كانت الزوجة في العدة إلا إذا اعتبر المطلق فارًا من الميراث، وهذا كله في توارث المسلمين.
أما غير المسلمين ففي توارث الزوجين خلاف بين المذاهب.
الإرث بالقرابة:
يكون الإرث بالقرابة بطريق الفرض أو التعصيب.
والفرض سهم مقدر في التركة، كالنصف، أو الربع، أو الثلث، أو السدس، أو الثمن، وصاحب الفرض هو من فرض له سهم في القرآن الكريم، أو السنة، أو الإجماع، والفروض المقدرة في القرآن الكريم ستة، النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس، ويبدأ في التوريث بأصحاب الفروض، وهم من ذكروا بالمادة (296)، وقد بين في المواد من 297 - 302 كيفية توريث أصحاب الفروض. وبينت المادة (303) أنه إذا زادت الفروض على التركة قسمت بينهم بنسبة أنصبائهم. ذلك أن الفرائض كما يقول بعض الفقهاء ثلاثة: فريضة عادلة، وفريضة قاصرة، وفريضة عائلة.
فالعادلة: هي أن تستوي سهام أصحاب الفروض مع سهام المال، كأن يترك المتوفى أختين شقيقتين، وأختين لأم، فيكون للشقيقتين الثلثان، وللأختين لأم الثلث.
والفريضة القاصرة: هي أن تكون سهام أصحاب الفروض دون المال، لكن توجد عصبة، فإنهم يأخذون الباقي بعد أصحاب الفروض.
والفريضة العائلة: هي أن تكون سهام ذوي الفروض أكثر من سهام المال، كأن يكون للمتوفى أختان شقيقتان، وزوج، فللشقيقتين الثلثان، وللزوج النصف، وعندئذ يوجد العول، وهو موضوع المادة (303).
وإذا كان لوارث جهتا إرث ورث بهما معًا، كزوج هو ابن عم وأخ لأم هو ابن عم.
الباب الثاني: الإرث بالتعصيب:
المواد: (304 – 310):
عصبة الرجل في اللغة قرابته، وكأنها جمع عاصب، وإن لم يسمح هذا الجميع مثل طالب وطلبة، وظالم وظلمة، من عصب القوم بفلان إذا أحاطوا به.
والعاصب في الميراث هو من ليس له فرض مسمى، وهو من يأخذ كل الميراث، إن لم يكن للميت وارث صاحب فرض أو الباقي، وإن وجد وارث صاحب فرض لم يستغرق فرضه التركة، ولا يأخذ شيئًا إن استغرقت الفروض التركة.
والأصل في ميراث العاصب قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكور مثل حظ الأنثيين ، وقوله تعالى: وإن كانوا أخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين، وقوله صلى الله عليه وسلم: ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر.
والعصبة نوعان: عصبة نسبية، وعصبة سببية.
والعصبة السببية المراد بهم المعتق، وعصبة الذكور، ولا ميراث لهم الآن، كما سبق القول.
والعصبة النسبية هم أقارب الميت الذكور، ومن ينزل منزلتهم من الإناث الذين لا تتوسط بينهم وبين الميت أنثى، كالابن، وابن الابن، والأب، والجد، والأخ الشقيق، والعم الشقيق، وفروع الذكور.
وهم ثلاثة أنواع:
1- عصبة بالنفس.
2- عصبة بالغير.
3- عصبة مع الغير.
1- العصبة بالنفس:
هم الذكور من الأقارب الذين لا تتوسط بينهم وبين الميت أنثى، كالابن، وابن الابن، والأب، والجد، والأخ الشقيق أو لأب، وهؤلاء هم هم الأصل في التعصيب، لأن العصبة في الأصل من قبل الرجال.
2- العصبة بالغير:
هن النساء صاحبات الفروق اللاتي يكون في طبقتهن رجل ذكر، يكون عصبة بنفسه، فتكون عصبة به، ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين، فشرط العصبة بالغير أمران:
1/ أن تكون الأنثى صاحبة فرض.
2/ أن تكون مع من يعصبها في درجة واحدة، وقوة قرابة واحدة، كالأخ الشقيق مع الأخت الشقيقة، والأخ لأب مع الأخت لأب، ولا يستثنى من ذلك إلا حالة وجود ابن ابن الابن مع بنت الابن، فإنها إذا احتاجت إليه تكون عصبة به، مع اختلاف الدرجة، فإنها لوم لم تعتبر عصبه به لا تأخذ شيئًا من الميراث، مع أنها أعلى منه درجة، فجعلت عصبة به حتى لا يكون شذوذ بتوريث الأبعد دون الأقرب، فإذا لم تكن في حاجة إليه فإنها لا تكون عصبه به، كما إذا كان معها في درجتها كم يعصبها من أخ، أو ابن عم.
3- العصبة مع الغير:
هي كل أنثى احتاجت في عصوبتها إلى الغير الذي ليس عصبة أصلاً لا بنفسه، ولا بالغير، وهي اثنتان فقط: الأخت الشقيقة، والأخت لأب مع الفرع الوارث المؤنث، سواء أكانت بنتًا صلبية أم بنت ابن، وسواءً أكانت واحدة أم أكثر والأصل في هذا قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة.
وقد بينت المادة (305) جهات العصوبة بالنفس وترتيبها في الإرث، وبينت المادة (306) كيفية توريث العصبة بالنفس في حالة الاتحاد في الجهة، واختلافها بما لا يحتاج إلى بيان.
ميراث الأب والجد:
بينت المادة (309) نصيب الأب والجد إذا اجتمع مع البنت أو بنت الابن وإن نزل بأنه السدس فرضًا، والباقي بطريق التعصيب.
ميراث الأب:
المقرر في أحكام الميراث أن للأب حالات ثلاثًا:
1- بطريق الفرض.
2- الإرث بطريق التعصيب.
3- الإرث بهما معًا.
1/ فيرث بطريق الفرض وهو السدس إذا كان هناك فرع مذكر بقوله تعالى: ولأبويه لكل واحد منها السدس مما ترك إن كان له ولد فما دام الولد ابنًا فللأب السدس فرضًا، لأن الولد الابن في هذه الحالة هو العاصب، فيأخذ الباقي بعد أصحاب الفروض.
2/ يرث الأب بطريق التعصيب إذا لم يكن للميت فرع مطلقًا، وذلك ثابت بقوله تعالى: فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن التصريح بنصيب الأم يفيد أن للأب الباقي.
3/ يرث أب بطريق الفرض والعصيب عند وجود الفرع الوارث المؤلف، فيأخذ السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا، أما السدس فلقوله تعالى: ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد وأما الباقي فللحديث الشريف: ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر، لأن الأب في هذه الحالة أقرب رجل ذكر، وذلك إذا كان في التركة باقٍ، فإن لم يكن باقٍ، فلا شيء له سوى فرض السدس، وذلك كما إذا توفي الميت عن أبوين، وزوجة، وبنتين، فإن للزوجة في هذه الحالة الثمن، وللبنتين الثلثين، ولكل من الأبوين السدس، فلم يبقَ شيء من الترك بعد أصحاب الفروض، بل قد زادت الفروض عن التركة.
ميراث الجد:
الجد العاصب إذا لم يكن معه إخوة، ولا أخوات، فله الحالات السابقة التي للأب، لأن للجد عند فقد الأب كثيرًا من الأحكام الشرعية التي للأب، فهو كالأب من حيث الولاية على النفس، ومن حيث الولاية المالية، وكالأب في أنه لا يقتل بولده، وفي أن حليلة كل من الآخرين لا تحل له، وفي عدم قبول الشهادة له، وفي أنه لا يجوز دفع الزكاة إليه، وهو يسمى أبًا مجازًا عند عدم وجود الأب الحقيقي، ولذلك ينطبق عليه قوله تعالى: ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد، وورثه أبواه فلأمه الثلث، وهو في حال التعصيب أقرب ذكر.
أما إذا كان مع الجد إخوة وأخوات أشقاء أو لأب، فتصيبه هو ما بينته المادة (310) التي نصت على أنه إذا اجتمع الجد مع الإخوة والأخوات لأبوين كانت له حالتان:
الأولى: أن يقاسمهم كأخ إن كانوا ذكورًا فقط، أو ذكورًا وإناثًا، أو إناثًا عصبن مع الفرع الوارث من الإناث.
الثانية: أن يأخذ الباقي بعد أصحاب القروض بطريق التعصيب وإذا كان مع أخوات لم يعصبن بالذكور، أو مع الفرع الوارث من الإناث.
على أنه إذ كانت المقاسمة أو الإرث بالتعصيب على الوجه المتقدم يحرم الجد من الإرث، أو تنقصه عن السدس اعتبر صاحب فرض السدس، ولا يعتبر في المقاسمة من كان محجوبًا من الإخوة، أو الأخوات لأب.
وميراث الجد مع الإخوة محل خلاف بين الصحابة، ومن بعدهم، فمذهب أبي بكر، وابن عباس، وابن عمر، وكثير من الصحابة أن الجد كالأب يحجب الإخوة والأخوات، فلا يرثون شيئًا معه، وذلك ما أخذ به الإمام أبو حنيفة، مستدلين بما سبق من أنه كالأب في كثير من الأحكام، ومذهب علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وزيد بن ثابت أن الجد يقاسم الإخوة والأخوات، فيعتبر أخًا شقيقًا مع الإخوة الأشقاء، وأخًا لأب مع الإخوة لأب، ويكون الميراث بالتعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان لا ينقص نصيبه في المقاسمة عن السدس، فإن نقص عن السدس أعطي السدس، ويأخذ الإخوة، والأخوات الباقي، للذكر ضعف الأنثى....إلخ.
وحجة سيدنا علي، ومن معه أن ميراث الإخوة ثبت بالقرآن الكريم، فلا يحجبون إلا بنص، أو إجماع، أو قياس صحيح، ولم يوجد شيء من ذلك، والإخوة والأخوات تساووا مع الجد في سبب الاستحقاق، إذ أن كلاً من الجد، والإخوة يدلى إلى الميت بالأب، فالجد أبوه، والإخوة أبناؤه، وقرابة البنوة ليست أقل درجة من قرابة الأبوة، وواضح أن القانون جرى على ما هو مذهب علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومن معه.